الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة حلف ليقضينه دينارا إلى أجل فخاف الحنث فجاءه فاستسلف منه دينارا: قال محمد بن رشد: قوله إن الحالف لا يبر بعد القضاء بين لأنه إنما قضاه ماله الذي أخذه من عبده فكأنه لم يقضه شيئا، وأما ادعاؤه بعد الأجل أنه قد قضى الغلام قبل الأجل فهو بمنزلة ما لو ادعى بعد الأجل أنه قد قضى المحلوف عليه قبل الأجل فصدقه المحلوف فيدخل في ذلك من الاختلاف ما دخل في هذه، فقيل إنه يبر بتصديقه وهو أحد قولي سحنون وقوله إن يحلف مع شهادته إن كان مأمونا ويبر في اليمين، وقيل: إن كان صاحب الحق مأمونا، وقد روي عن مالك أنه يحلف لتسقط عنه اليمين ويكون عليه الحق بغير يمين إن كان صاحب الحق منكرا للاقتضاء. .مسألة مر بناقة على زقاق فحبقت عليه فقال أنت بدنة إن لم تمري فحبقت فلم تمر: قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب أن أعرابيا سأل مالكا عن ناقة له نفرت فانصرفت، فقال لها: تقدمي وإلا فأنت بدنة، فقال له: أردت زجرها بذلك لكي تمضي؟ فقال: نعم، قال: لا شيء عليك، قال: رشدت يا ابن أنس، وذكرها ابن المواز عنه في كتابه، فقال فيها: إنه حانث كرواية أبي زيد. قال محمد بن رشد: أما إيجاب إخراجها فالوجه في ذلك أنه رآها يمينا بخروجها مخرج اليمين، فأوجب عليه إخراجها على أصل المذهب في أن اليمين بما لله فيه طاعة كالنذر يلزم، ووجه ما حكى ابن حبيب عن مالك أنه لم ير ذلك يمينا لأن الرجل إنما يحلف على ما يملك أو على من يعقل، وصرف ذلك إلى معنى النذر فلم يوجب عليه إخراجها إذ لم تكن له نية في ذلك وإنما قصد زجرها لا القربة إلى الله تعالى بإخراجها هديا وهو الأظهر لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «إنما الأعمال بالنيات». .مسألة حلف ألا يشهد له ولا عليه فكتب كتابا وشهد على نفسه فيه: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن شهادة الرجل على نفسه شهادة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] الآية. .مسألة قال لغلام لأبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر فهلك الأب وملكه: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب أن من حلف بعتق ما يملك قبل أن يملكه، أو أوجبه على نفسه بشرط ملكه له فخص ولم يعم أن ذلك لازم له، والأصل في وجوب ذلك عليه قوله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 75] إلى قوله: {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]. لأنه إذا لزمه ذلك في الصدقة كان ذلك في العتق أولى أن يلزمه، وإما إذا قال لعبد أبيه أنت حر أو حر في مالي ولم يقل يوم أملكك ولا نوى ذلك فلا شيء عليه لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم»، تم كتاب النذر بحمد لله. .كتاب الصيد والذبائح: .مسألة بهيمة وقعت في ماء فذبحها صاحبها ورأسها في جوف الماء: قال محمد بن رشد: قوله إذا اضطر إلى ذلك شرط فيه نظر، إذ لا فرق في هذه المسألة في إعمال الذكاة بين أن يضطر إلى تذكيتها على تلك الحال أو لا يضطر إلى ذلك، وإنما تفترق الضرورة من غير الضرورة في إباحة الفعل ابتداء فيكره له أن يفعل ذلك من غير ضرورة مراعة لقول من يقول إن تذكيتها في حرف لا تجوز على حال، وهو قول ابن نافع في المبسوطة، قال: إن رفع رأسها على الماء فذبحها ثم تركها فهي حلال، وإن لم يرفع رأسها وذكاها تحت الماء فلا ذكاة فيها، ووجه ذلك أنه لا يدري إن كانت ماتت من ذبحه أو من الغم في الماء لاشتراك الأمرين جميعا فيها، كما قال مالك في المدونة في الصائد يذكي الصيد والكلاب تنهشه وهو يقدر على أن يتخلصه منها لا يؤكل مخافة أن يكون إنما مات من نهشها، وقال ابن القاسم: إنه يؤكل إن كان ذكاه وهو يستيقن أن حياته فيه مجتمعة، فقول مالك في المدونة خلاف قوله في هذه المسألة ومثل قول ابن نافع فيها، وقول ابن القاسم في المدونة مثل قول مالك في هذه المسألة خلاف قول ابن نافع فيها، ولو ذكى الصائد الصيد والكلاب تنهشه وهو لا يقدر على أن يتخلصه منها لأكل باتفاق، فهذه المسألة يفترق فيها الضرورة من غير الضرورة في إعمال التذكية لا مسألة الذبح في الماء، فقف على ذلك واعلمه فإن المعنى في ذلك بين، وهو أن الصيد يؤكل إذا قتلته الكلاب قبل أن يدركه الصائد بخلاف إذا مات في الماء قبل أن يدركه، ولو قتله في جوف الماء بما يقتل به الصيد لم يؤكل لأنه قد صار أسيره، قاله ابن حبيب جعل النهر كالحفرة بخلاف الغيضة والغار، وبالله التوفيق. .مسألة بهيمة طرحت جنينا حيا فذكي وهو يركض: قال محمد بن رشد: قوله لا أحب ليس على ظاهره، ومراده بذلك لا يحل فتجوز في اللفظ وهو بين من إرادته بدليل تمثيله إياه بالذي لم يتم خلقه، ولا يجوز تذكيته إلا أن يعلم أنه لو أرجئ عاش، وأما إن علم أنه لو ترك لم يعش أو شك في ذلك فلا يصح تذكيته. .مسألة ذبيحة السكران: قال محمد بن رشد: وأما السكران الذي لا يعقل أصلا فهو كالمجنون المطبق الذي لا يعقل فلا تؤكل ذبيحته بإجماع؛ لأن من شرط التذكية النية وهو القصد إلى الذكاة، وذلك لا يصح ممن لا يعقل له أصلا، وأما السكران الذي يخطئ ويصيب فلا ينبغي لأحد أن يأكل ذبيحته لأنه لا يدري هل صحت منه النية في الذبح أم لا؛ ولا يصدق في ذلك لأنه ممن لا تجوز شهادته ولا يقبل قوله، ولو أتى مستفتيا في خاصة نفسه يزعم أنه عرف ما صنع وقصد الذكاة بذلك لوجب أن ينوي في خاصة نفسه ويباح له أكل ذبيحته وإن كان في تلك الحال ممن يقع عليه اسم سكران، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]. والخطاب لا يتوجه إلا لمن يعقل، فدلت الآية أن السكران قد يعقل وهذا بين. .مسألة حكم أكل جبن المجوس: قال محمد بن رشد: أما جبن المجوس فبين أنه لا خير فيه لأنه إنما يجعلون فيه من أنافيح ذبائحهم التي لا تحل لنا، فقوله أكره ذلك لفظ فيه تجاوز، وقد روي أن أبا موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كتب إلى عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يذكر أن المجوس لما رأوا المسلمين لا يشترون جبنهم وإنما يشترون جبن أهل الكتاب عمدوا فصلبوا على الجبن كما يصلب أهل الكتاب ليشترى من جبنهم، فكتب إليه عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ما تبين لكم أنه من صنعتهم فلا تأكلوه، وما لم يتبين لكم فكلوه، ولا تحرموا على أنفسكم ما أحل الله لكم، قال ابن حبيب: وقد تورع عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس في خاصة أنفسهم عن أكل الجبن إلا ما أيقنوا أنه من جبن المسلمين وأهل الكتاب خيفة أن يكون من جبن المجوس، ولم يفتوا الناس به ولا منعوهم من أكله، فمن أخذ بذلك في البلد الذي فيه المجوس مع أهل الكتاب فحسن، وأما السمن والزيت فكما قال لا يجب أن يمتنع من أكله إلا أن يعلم بنجاسة آنيتهم فإن شككت في نجاستها فالتورع أفضل. .مسألة ما ذبح أهل الكتاب لأعيادهم وكنائسهم: قال محمد بن رشد: كره مالك ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم لأنه رآه مضاهيا لقوله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، ولم يحرمه إذ لم ير الآية متناولة له وإنما مضاهية له؛ لأن الآية عنده معناها ما ذبحوا لآلهتهم مما لا يأكلون، ورأى سحنون الآية متناولة له فحرمه، وأجازه من أجازه لأنه من طعامهم الذي يأكلونه، وقد قال عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، وقد مضى هذا المعنى في سماع عبد المالك من كتاب الضحايا فقف على ذلك وبالله التوفيق. .مسألة الحوت يؤخذ حيا أيقطع قبل أن يموت: مسألة قال: وسئل مالك عن الحوت يؤخذ حيا أيقطع قبل أن يموت؟ قال: لا بأس فيه لأنه لا ذكاة فيه، وأنه لو وجد ميتا أكل، فلا بأس بأن يقطع قبل أن يموت، وأن يلقى في النار وهو حي فلا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: قد كره هذا في رسم الجنائز والصيد من سماع أشهب كراهية شديدة. وظاهر هذه الرواية الإباحة والوجه في ذلك أن الحوت لما كان لا يحتاج إلى تذكية وكان للرجل أن يقتله بأي نوع من أنواع القتل في الماء، وأن يقطعه فيه إن شاء كان له أن يفعل ذلك به بعد خروجه من الماء، والوجه في كراهية ذلك أن الحوت مذكى، فالحياة التي فيه بعد صيده بمثابة الحياة التي تبقى في الذبيحة بعد ذبحها فيكره في كل واحد منهما ما يكره في الآخر. .مسألة حكم أكل جبن الروم الذي يوجد في بيوتهم: قال محمد بن رشد: كره للرجل في خاصة نفسه من أجل ما قيل له إنهم يجعلون فيه من أنفحة الخنزير، ولو لم يسمع ذلك لم يكن عليه أن يبحث عن ذلك؛ لأن الله قد أباح لنا أكل طعامهم بقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]. فأكل طعامهم جائز ما لم يوقن فيه بنجاسة، فإن خشي ذلك الرجل لشيء سمعه استحب له أن يتركه، ويبين هذا ما ذكرناه قبل هذا عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وابن عباس وابن مسعود من تورعهم في خاصة أنفسهم عن أكل الجبن مخافة أن يكون من جبن المجوس. .مسألة البازي يضطرب على الشيء يراه ولا يراه صاحبه فيرسله صاحبه: قال محمد بن أحمد: معنى هذه المسألة أنه أرسل البازي ينوي صيد ما اضطرب عليه، وذلك بين من قوله: ولعله أن يضطرب على صيد ويأخذ صيدا غيره، ولو كان لما اضطرب أرسله ينوي ما صاد كان الذي اضطرب عليه أو غيره لأكل ما صاد على معنى ما في المدونة في الذي يرسل كلبه على الجماعة من الصيد وينوي، إن كان وراءها جماعة أخرى لم يرها فيأخذ ما لم ير أنه يأكله، ويبين هذا التأويل أيضا قول مالك في كتاب ابن المواز، قال: ومن رأى كلبه يحد النظر وكالملتفت يمينا وشمالا فأرسله على صيد لم يره، فليأكل ما أخذ وهو كإرساله في الغياض والغيران لا يدري ما فيها عرف أن فيها صيدا أو لم يعرف، ومن الناس من حمل هذه الرواية على الخلاف لما في المدونة مثل قول أشهب إنه لا يصح له أن ينوي في إرساله ما لم يره من الصيد، ومثل قول سحنون في رسم لم يدرك من سماع عيسى أنه إذا أرسل كلبه في الحجر والغامصة ينوي اصطياد ما فيهما وهو لا يدري أفيهما شيء أم لا، فأصاب فيهما صيدا أنه لا يؤكل، والتأويل الأول أظهر والله أعلم. .مسألة الحوت يشترى فيوجد في بطنه حوت أخرى: مسألة وسئل مالك عن الحوت يشترى فيوجد في بطنه حوت أخرى، أترى أن يؤكل؟ قال: نعم، لا بأس بذلك. قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصل مذهب مالك في جواز أكل ما وجد من الحوت ميتا طافيا على الماء وغير طاف عليه قد حسر عنه الماء على ظاهر قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «هو الطهور ماؤه والحل ميتته». ولم يفرق بين ما صيد أو وجد ميتا، من أهل العلم من يقول: إنه لا يؤكل الطافي من الحوت، ومنهم من يقول: لا يؤكل إلا ما صيد حيا. فعلى قول هؤلاء لا يجوز أكل الحوت يوجد في بطن الحوت. .مسألة بيع الجزرة من النصراني وهو يعلم أنه يريدها لذبح أعيادهم في كنائسهم: قال محمد بن رشد: وهذا كما قالا إن ذلك مكروه وليس بحرام لأن الشرع أباح البيع والاشتراء منهم والتجارة معهم وإقرارهم ذمة للمسلمين على ما يتشرعون به في دينهم من الإقامة لأعيادهم، إلا أنه يكره للمسلم أن يكون عونا لهم على ذلك، فرأى مالك هذا على هذه الرواية من العون لهم على أعيادهم فكرهه. وقد روي عنه إجارة ذلك، وهو على القول بأنهم غير مخاطبين بالشرائع أولا يكون قد أعانهم على معصية إلا على القول بأنهم مخاطبون بالشرائع، وقع اختلاف قوله في ذلك في سماع سحنون من كتاب السلطان، فإن وقع البيع والكراء منهم على هذا مضى ولم يفسخ، وإن كان ازداد في ثمن الجزرة أو كراء الدابة بسبب أعيادهم شيئا على القيمة أرى أن يتصدق بالزائد على القول بأن ذلك مكروه استحبابا، والله أعلم. .مسألة يرمي الصيد بسهم مسموم، فيدرك ذكاته أترى أن يؤكل: قال محمد بن رشد: أما إذا لم ينفذ السهم بالسم مقتله ولم يدرك ذكاته فلا يؤكل باتفاق، واختلف إن أدركت ذكاته، فقال في الرواية: إنه لا يؤكل، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة، قال: لأنه ساعة يمس السم الدم جرى به إلى قتله. وقال سحنون: إنه يؤكل وهو أظهر؛ لأنه قد ذكي وحياته فيه مجتمعة قبل أن ينفذ مقاتله، وأما إذا أنفذ السهم بالسم مقاتله، فقال ابن حبيب: إنه لا يؤكل لأن السم قد شاركه في إنفاذ مقتله ويدخل في ذلك الاختلاف بالمعنى من مسألة الذبح في الماء على ما ذكرناه في أول رسم من السماع وبالله التوفيق. .مسألة حيتان في برك يقل ماؤها فيطرح فيها السيكران فيسكرها ذلك فتؤخذ: قال محمد بن أحمد: إنما كره أكلها من ناحية الخوف على من يأكلها وكأنه لم ير التجربة تصح في ذلك قد يضر بعض الناس ولا يضر آخرين لا من ناحية أن ذلك مما يؤثر في ذكاة الحيتان لأنها لا تحتاج إلى ذكاة، وقد قال في رسم الصيد والجنائز: إنه لا بأس بأكل ما مات منها بالسيكران أو السكر فأخذ باليد، وهو مفسر لهذه الرواية في جواز أكلها إلا أنه لا يجوز بيعها إلا بعد أن يبين بذلك، وبالله التوفيق. .مسألة شراء قديد الروم: مسألة قال مالك: لا أحب شراء قديد الروم ولا جبنهم الذي ينزلون به من بلادهم مثل أهل طربلس. قال محمد بن أحمد: قد مضت هذه المسألة، والقول فيها في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها. .مسألة يكون بينه وبين اليهودي شرك في شاة فيقول له اليهودي دعني أذبحها: قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في سماع أشهب من كتاب الضحايا فلا معنى لإعادته وسيأتي هذا المعنى أيضا في سماع أشهب وفي سماع يحيى وبالله التوفيق. .مسألة متردية اندق عنقها أو انكسر ظهرها أو خربت فأتيت وهي تتنفس فذكيت: مسألة قال مالك: وكل متردية اندق عنقها أو انكسر ظهرها أو خربت فأتيت وهي تتنفس فذكيت، قال مالك: ما أدرك من متردية اندق عنقها وإن كان مثلها لا يعيش أو ضربت، وإن تركت لم تعش فذكيت فهي توكل لأن بعضها مجتمع إلى بعض، وأما كل شيء خرق جوفه حتى انتثر أمعاؤها وأحشاؤها أو أكل معاؤها فلا أرى أن تذكى ولا توكل، قال مالك في المندقة العنق وما أشبهها: وإن كان مثلها لا يعيش لو ترك فذكي فهو ذكي وتوكل إلا أن ينقطع نخاعها فذكى، قال: ولم يجز بيعه. وقد روي عن مالك ما يدل على جواز بيعه من ذلك ما وقع في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة في مسألة الصابون وما في سماع أشهب أيضا من هذا الكتاب على ما سنذكره إن شاء الله إذا مررنا به. .مسألة كيفية نحر البدن: مسألة قال مالك: تنحر البدن قياما أحب إلي، وكأني رأيته يراه وجه الأمر فيها، قال: والبقر والغنم تذبح وتضجع، قال: ويلي الرجل نحر بدنته وذبح ضحيته بيده أحب إلي، ويقول: بسم الله، الله أكبر، وإن أحب قال ربنا تقبل منا، وكره أن يقول اللهم منك وإليك وعابه وشدد الكراهية فيه، وقال إذا أعق: اللهم منك وإليك؛ وإذا تصدق قال: اللهم منك وإليك، فكره ذلك ولم يره من العمل ولم يستحسنه. قال محمد بن رشد: هذا كله مثل ما في المدونة وإنما استحب أن تنحر البدن قياما، وقال: إنه وجه الأمر فيها كما قال في الحج الثالث من المدونة إنه الشأن اتباعا لظاهر قوله عز وجل: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36]، أي سقطت إلى الأرض، ولم ير ابن القاسم في المدونة أن تنحر معقولة إن امتنعت ولم يحفظ عن مالك هل تنحر معقولة أم تكون مصفوقة، وقوله عز وجل: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]. أي مصطفة لا يدل على كونها معقولة، فلذلك لم يستحب ابن القاسم أن تعقل إذا لم تمتنع، وقد قرئ فاذكروا اسم الله عليها صوافن أي على ثلاث قوائم معقولة إحدى يديها، واستحب ذلك بعض العلماء، وقد قرئ صوافي أي صافية خالصة لله تعالى، واستحب أن يلي الرجل نحر هديه وذبح ضحيته بيده تواضعا لله وتأسيا برسول الله في ذلك، فإن ذبح له غيره بأمره أجزأه عند مالك، قال ابن عبد الحكم في مختصره: وقد قيل لا يجزيه والأول أحب إلينا، وأما إن ذبحها له نصراني أو يهودي فلا يجزيه إلا عند أشهب، وقد مضى دليل قوله في سماع أشهب من كتاب الضحايا، واستحب في صفة التسمية على الذبيحة أن يقول بسم الله والله أكبر لأنه الذي مضى عليه أمر الناس، قال ابن حبيب في الواضحة: فإن قال: باسم الله والله أكبر وحده اكتفاه بذلك، وكذلك لو قال: لا إله إلا الله أو سبحان الله أو لا حول ولا قوة إلا بالله لاكتفي بذلك؛ لأنه إنما أمر أن يسمي الله، فكيف ما ذكره فقد سماه. وأجاز أن يقول بعد التسمية صلى الله على رسول الله، وكره أن يقول معها محمد رسول الله، وظاهر المدونة أنه كره الأمرين جميعا وما في الواضحة أبين؛ لأن الصلاة على النبي دعاء له فلا وجه لكراهيته، بخلاف ذكر اسمه بغير دعاء ذلك مكروه؛ لأن الذبح إنما هو لله تعالى وحده فلا يذكر هناك إلا اسم الله تعالى وحده كما أمر حيث يقول: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34]. وتسمية الله سنة في الذكاة وليست شرطا في صحتها؛ لأن معنى قوله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، أي لا تأكلوا الميتة التي لم يقصد إلى ذكاتها لأنها فسق، ومعنى قوله عز وجل: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118]. كلوا مما قصد إلى ذكاته، فكنى عز وجل عن التذكية بذكر اسمه كما كنى عن رمي الجمار بذكره حيث يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ومن الدليل على أن مراده عز وجل بما لم يذكر اسم الله عليه ما لم يقصد إلى ذبحه قوله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119]. وبين بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]. إلى قوله: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]. فبين بتسمية هذه الأشياء التي حرمها الله في هذه الآية بقوله فسقا أنها هي التي نهى عن أكلها لأنها فسق بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]. فمن ترك التسمية ناسيا أكلت ذبيحته، وأجاز ابن حبيب أن يقول مع التسمية على الضحية: اللهم منك وبك ولك، أي منك الرزق وبك الهدي ولك النسك، وحكاه عن علي بن أبي طالب وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو قول سحنون، وكره ذلك مالك في هذه الرواية وشدد الكراهية في ذلك، وقال في المدونة: إن ذلك بدعة، فالمعنى في ذلك والله أعلم أنه إنما كره التزام ذلك على وجه كونه مشروعا في ذبح النسك كالتسمية، فمن قاله على غير هذا الوجه في الفرط لم يكن عليه إثم ولا حرج، وأوجر في ذلك إن شاء الله. .مسألة الحبالة يضعها الرجل للصيد فلمن يكون الصيد إذا وقع فيها: قال محمد بن أحمد: قال العتبي: إنما ذلكم لمن جعلها بعيدا من العمران حيث لا ينتهي إليه سرح النحل، وأما إن جعلها في موضع ينتهي إليه سرح النحل فلا يحل له ذلك، ولو أن السلطان علم بذلك لكان عليه أن يؤدبه، وقوله صحيح مفسر لقول مالك؛ لأن النحل إذا صارت في الأجباح كانت كحمام الأبراج لا يجوز لأحد أن يصيد حمام الأبراج، وسنزيد هذه المسألة بيانا في نوازل سحنون إن شاء الله. .مسألة جبن الحبشة وهم مشركون: مسألة وسئل مالك عن جبن الحبشة وهم مشركون، قال: أخاف أن يجعلوا فيه ميتة فأنا أكرهه. قال محمد بن أحمد: في بعض الروايات وسئل عن سمن الحبشة وهو الصحيح في الرواية والله أعلم لأن المشركين ليسوا بأهل كتاب وإنما هم عبدة أوثان، فذبائحهم محرمة علينا كذبائح المجوس، فالامتناع من أكل جبنهم واجب لأنهم يجعلون فيه من أنفحة ذبائحهم وهي ميتة لا تحل، وأما سمنهم فكرهه مالك مخافة أن يكون الإناء الذي هو فيه قد جعلوا فيه ميتة، وقد مضى في أول رسم من هذا السماع ما يدل على هذا، وبالله التوفيق.
|